الغاية الجمالية لرسوم الكهوف ...

بقلم : ايمان الطوخى .

تحدثنا فيما سبق عن أن الفن لا ينعزل من مشكلات المجتمع فيخرج من حدود جزئيته إلى الشمول الخارجى .. 

ومن هنا كان علينا معرفة تفسيرات لرسوم الكهوف الى كانت ترسم فى العصر الحجرى  ..

ورغم أهمية تفسير رسوم الكهوف على أنها كانت من أجل وظيفة سحرية و هو قطعا تفسير منطقى ..

إلا انه لا يكفى لتبرير تلك المقدرة الفنية الخارقة للعادة التى أظهرها هؤلاء الصيادون ، من العصر الحجرى القديم ، فإنهم قد تمكنوا فى رسومهم من الكشف عن القدر المتميز من إدراك الخصائص الحقيقية و الملامح الطبيعة فى نموذج الحيوان كما تمكنوا أدائا من الايحاء فى رسومهم بالتدريجات اللونية و بالحركه الحيوية للخطوط و من تخطى الصعاب التى فرضتها طبيعة الشطوح التى نفذت عليها الرسوم رغم عدم توفر الآداه المناسبة .

فبالإضافة الى النزعة الطبيعى التى تميزت بها رسوم الكهوف هناك أيضا العنصر التصميمى الواضح ، الذى كشفت عنه الاعمال النحتية  وقد بدت الطريقة التى تتوزع على أساسها الرسوم فى الاعمال السفلى من الكهف مدهشه بل ومفاجئة فى الوقت نفسه ، فبعض منها قد وجدت فى أماكن غير متوقعة بعيده عن مجال التأثير على المشاهد فأغلب هذه الرسوم كانت معلقة فى مخابئ شبه سرية أو داخل الدهاليز الضيقة التى تعد بمثابة أماكن مقدسة ، بل وجدت هذه الرسوم مجمعة بشكل معقد فى زاوية من قاعة شاسعة فى باطن أسفل الكهف .

وهناك رسوم وجدت على هيئة طبقة فى وضعية مقلوبة فوق طبقة أخرى بقياسات متفاوتة الحجم ، بعضها لا يتعدى قليل من السنتيمترات و الاخرى تتعدى المتر ، ومنها الرسوم المتقنة المكتملة و غيرها الناقصة فى أجزاء عن عمد ، ومن هنا يتضح أن المنظر الكلى لمثل هذه الرسوم لم يكن الغاية ذات الاهمية فتوزيع الاشكال فوق جدران الكهف لا يتمتع بتناسق واضح فى الوضعية أو فى العلاقة بين الأجزاء بعضها مع بعض و فى العلاقة بينها وبين سطح الجدار .

و من المؤكد أن هناك أجيالا فى فترات زمنية مختلفة قد تعاقبت رسومهم فقد رسم بعضهم فوق نفس النماذج لذا بدت الجدران مزدحمة بالرسوم حتى كادت أن تغطيها ، و رغم كل ذلك فإن بإمكان المرء أن يكشف عن ارتباط بين الرسوم يوحد محتواها و يؤكد تشابه الطريقة الاساسية المستخدمة فى صياغة الفراغ فعلى سبيل المثال:

فقد تعمد رسام الكهوف إطالة جسم الحيوان لكى يوحى بعملية القفز ، كما أستخدم خطوطا متفاوتة فى درجاتها الظلية فى رسوم الحيوانات بالطريقة التى تؤكد خطوط الحركة فى جسم الحيوان .

هكذا قد كشفت رسوم الكهوف عن قدر متميز من الحساسية الجمالية فقد عبرت و بصورة حيوية و إيقاعية عن الحركة المتمثلة فى المظاهر الشكلية الطبيعية فى هيئة الحيوانات .. لقد سبق الإنسان فى عصوره الحجرية إنسان العصر الحديث فى ممارسة عملية الإبداع الفنى ، فى مجال الرسوم و النحت بحس و نقاء طبيعيين و لذا بلغت رسوم الحيوانات و صورها أروع درجات سمو الفن ، حيث رسمها فنان ما قبل التاريخ بخطوط حققت الهيئة لمكونات الجسم و بخاصة الوضعية الجانبية التى أعتمد فى تنفيذها عى المشاهد العينية و على دقة الملاحظة التى طبعت صور الموضوعات طبعا جيدا فى ذهنه بحيث يظل الأثر باق بغرض أن يحول الإرادة إلى حقيقة بإخراج شئ إلى حيز  الوجود .